الذِكر: ذكر الله تعالى

صورة لمسبحة وقرآن

الذِكر هو من أعظم العبادات في الإسلام، وهو مرادف للتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والدعاء. يعتبر ذكر الله تعالى من أيسر العبادات وأكثرها فضلاً، إذ يمكن أداؤه في أي وقت ومكان، دون قيود أو شروط محددة، باستثناء الطهارة المستحبة.

مكانة الذِكر في الإسلام

"فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ" (البقرة: 152)

يحتل الذِكر مكانة عظيمة في الإسلام، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية في مواضع كثيرة:

في القرآن الكريم: ذُكر الذِكر في أكثر من 200 موضع في القرآن، مما يدل على أهميته البالغة. قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا" (الأحزاب: 41).

في السنة النبوية: قال النبي ﷺ: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت" (رواه البخاري). وقال أيضاً: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى. قال: ذكر الله تعالى" (رواه الترمذي).

أنواع الذِكر وصيغه

الذِكر في الإسلام يأتي بصيغ وأشكال متنوعة:

1. التسبيح: "سبحان الله" وهو تنزيه الله عن كل نقص وعيب.

2. التحميد: "الحمد لله" وهو الثناء على الله بصفاته وأفعاله.

3. التهليل: "لا إله إلا الله" وهو إفراد الله بالألوهية.

4. التكبير: "الله أكبر" وهو إثبات عظمة الله وكبريائه.

5. الحوقلة: "لا حول ولا قوة إلا بالله" وهي إثبات أن القوة والحول لله وحده.

6. الاستغفار: "أستغفر الله" وهو طلب المغفرة من الله.

7. الدعاء: وهو سؤال الله وطلب الحاجات منه.

أذكار الصباح والمساء

من الأذكار المسنونة في الإسلام، أذكار الصباح والمساء، التي يقولها المسلم بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر، ومنها:

"أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. رب أسألك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر ما في هذا اليوم وشر ما بعده. رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر" (رواه مسلم)

ويستبدل كلمة "أصبحنا" بـ "أمسينا" عند قولها في المساء. ومن الأذكار الأخرى المستحبة:

سيد الاستغفار: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" (رواه البخاري).

آية الكرسي: "اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" (البقرة: 255).

أسماء الله الحسنى

من أشكال الذِكر المهمة، ذكر أسماء الله الحسنى. قال النبي ﷺ: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة" (متفق عليه).

ومن أسماء الله الحسنى:

# الاسم المعنى
1 الله المألوه المعبود، ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين
2 الرحمن ذو الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء
3 الرحيم الموصل للرحمة لمن يشاء من عباده
4 الملك المتصرف في ملكه كيف يشاء بقدرته
5 القدوس المنزه عن العيوب والنقائص وكل ما لا يليق بكماله

يُستحب للمسلم أن يتعرف على أسماء الله الحسنى ومعانيها، ويدعو الله بها، قال تعالى: "وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا" (الأعراف: 180).

الذِكر في الحياة اليومية

للذِكر أهمية كبيرة في حياة المسلم اليومية، إذ يشكل ممارسة روحية مستمرة تربطه بالله في كل أوقاته:

الذِكر بعد الصلوات: مثل التسبيح والتحميد والتكبير 33 مرة بعد كل صلاة مفروضة، وقراءة آية الكرسي.

الذِكر عند النوم والاستيقاظ: مثل قراءة المعوذات والتسبيح قبل النوم، وقول "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" عند الاستيقاظ.

الذِكر عند الطعام والشراب: مثل قول "بسم الله" قبل الطعام و"الحمد لله" بعده.

الذِكر عند دخول المنزل والخروج منه: مثل قول "بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى ربنا توكلنا" عند الدخول.

الذِكر في الكرب والشدة: مثل "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم" (متفق عليه).

الفوائد الروحية والنفسية للذِكر

للذِكر فوائد روحية ونفسية عديدة، منها:

اطمئنان القلب وسكينة النفس: قال تعالى: "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: 28). فالذِكر يبعث في النفس الطمأنينة والسكينة.

تقوية الصلة بالله: الذِكر يقوي الصلة بين العبد وربه، ويجعل المسلم يستشعر قرب الله منه في كل أحواله.

تخفيف التوتر والقلق: أثبتت الدراسات الحديثة أن ممارسة الذِكر والتأمل تساعد على تخفيف التوتر والقلق وتحسين الصحة النفسية.

زيادة الإيمان: الذِكر يزيد في إيمان المسلم ويقينه، ويجعله أكثر قرباً من الله.

الوقاية من وساوس الشيطان: الذِكر حصن منيع ضد وساوس الشيطان وهمزاته، كما قال تعالى: "وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (الأعراف: 200).

الذِكر في التصوف الإسلامي

اهتم التصوف الإسلامي بالذِكر اهتماماً كبيراً، واعتبره من أهم الطرق للتقرب إلى الله وتزكية النفس:

حلقات الذِكر: انتشرت حلقات الذِكر الجماعية في التصوف، حيث يجتمع المتصوفة لذكر الله بأصوات مرتفعة وبطرق معينة.

الأوراد والأحزاب: وضع شيوخ التصوف أوراداً وأحزاباً خاصة، وهي مجموعة من الأدعية والأذكار التي يلتزم بها المريد يومياً.

ذِكر القلب: اهتم المتصوفة بذِكر القلب أو الذِكر الخفي، وهو استحضار الله في القلب دون نطق اللسان.

مع ضرورة الالتزام بالذِكر المشروع الوارد في القرآن والسنة، وتجنب البدع والمخالفات التي قد تشوب بعض الممارسات الصوفية.

نصائح عملية لتأسيس عادة الذِكر

لمن يرغب في تأسيس عادة الذِكر في حياته اليومية:

  • البدء بالأذكار الثابتة في السنة، مثل أذكار الصباح والمساء، وأذكار ما بعد الصلاة
  • تخصيص وقت يومي للذِكر، ولو كان قصيراً، مع الالتزام به
  • استخدام تطبيقات الهاتف المحمول المخصصة للأذكار للتذكير والمتابعة (مثل تطبيق صلاتي)
  • ربط الذِكر بالأنشطة اليومية المعتادة، مثل الذِكر أثناء المشي أو الانتظار
  • البدء بعدد قليل من الأذكار، ثم زيادته تدريجياً
  • حضور مجالس العلم والذِكر، فإنها تعين على الاستمرار

الخاتمة

الذِكر من أعظم العبادات وأيسرها، وهو متاح للمسلم في كل وقت ومكان. يمثل الذِكر علاقة دائمة بين العبد وربه، تقوي الروح وتطهر القلب وتسمو بالنفس. إن المداومة على ذكر الله تعالى تجعل المسلم في معية الله وحفظه، وتجلب له السعادة والسكينة في الدنيا والآخرة.

"وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" (الأحزاب: 35)